ينقسم التوحيد إلى ثلاثة أقسام:
الأول: توحيد الربوبية، ومقصود ذلك توحيد الله بأفعاله عز وجل، ويشمل الاعتراف بتدبير الله عز وجل في ملكه وتربيته لخلقه وشمولهم بأنواع الرعاية وأنه الخالق الرازق المحيي المميت المدبر القادر العالم الذي لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض فالخلق والهداية والنفع والضر والرزق والحياة والموت والشفاء والمرض كلها بيده وحده عز وجل، وهو وحده يعز من يشاء ويذل من يشاء قال تعالى: "وَإِن يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُّرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَادَّ لِفَضْلِهِ" [سورة يونس آية 107].
والله هو الغني وكل الناس فقراء محتاجون إليه قال تعالى: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمْ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللهِ"(1) وهو رب العلمين النافذ أمره "بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ" [سورة الملك آية 1].
الثاني: توحيد الألوهية ومقصود ذلك توحيد الله بأفعال العبد، وهو صرف كل أنواع العبادة لله وحده، وعبودية الخلق للخالق عز وجل ووقوفهم عند أمره ونهيه وعدم دعاء المخلوقين أو التوسل بهم أو الذبح لهم من إنس أو جن أو ملائكة أو غيرهم.
ومن أنواع العبادة أيضاً الخوف والرجاء والتوكل والرغبة والذبح والنذر والدعاء وغير ذلك مما لا يصرف إلا لله عز وجل.وتوحيد الألوهية هو الذي جاءت به الرسل إلى أممهم تطالبهم بعدم الإشراك بالله، ومن المؤسف أن البعض يتخذ إلهه هواه وهم أصحاب المبادئ الوضعية والمنحرفون في عقيدتهم وعباد القبور من الصوفية والقبوريين وهو الذين يطلبون الغوث وإزالة الشدة والاستعانة بمخلوق ميت مدعين أن للأولياء تصرفات في حياتهم وبعد الممات، في حين أن الميت ليس له تصرف في ذاته فضلاً عن غيره قال تعالى: "أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ حُلَفَاءَ الأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللهِ"(2) وقال تعالى: "قُلْ مَن يُنَجِّيكُم مِّن ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَّئِنْ أَنجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ.قُلِ اللهُ يُنَجِّيكُم مِّنْهَا وَمِن كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ" [سورة الأنعام آية 63، 64].
وهكذا فإن الله سبحانه وتعالى هو القادر وحده على إغاثة الملهوف وعلى دفع الضر وإيصال الخير بخلاف زعم الصوفية والقبوريين الذين يتخبطون في الشرك.
وبهذا يعلم أن من علق عبادته بمخلوق فقد شبهه بالخالق، قال النووي رحمه الله "وأما دخول المشرك النار فهو على عمومه فيدخلها ويخلد فيها ولا فرق فيه بين الكتابي - (اليهودي والنصراني) - وبين عبدة الأوثان وسائر الكفرة" اهـ.
وهكذا فإن التوحيد هو إخلاص العبادة لله عز وجل وإن عبدة القبور الذين يبنون المشاهد عليها ويعظمونها هو ضالون لأن العبادة لا يستحقها نبي ولا ملك ولا غيره.
والله سبحانه وتعالى يقول: "وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ"(3) قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ما معناه "فمن رغب إلى غير الله في قضاء حاجة أو تفريج كربة لزم أن يكون محباً له".
ويدخل في ذلك لبس الحلقة والتمائم والتعلق بها لجلب نفع أو دفع ضر وتصديق الكهنة والسحرة والمشعوذين، والنذر لغير الله، والاستعاذة بغير الله والاستغاثة بالمخلوقين قال تعالى: "قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.لاَ شَرِيكَ لَهُ"(4) وقال أيضاً متوعداً: "إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ"(5) وقال سبحانه: "إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَّشَاءُ" [سورة النساء آية 48، 116].
قال الشيخ صنع الله الحنفي رحمه الله في كتابه في الرد على من ادعى أن للأولياء تصرفات في الحياة وبعد الممات على سبيل الكرامة: هذا وإنه قد ظهر الآن فيما بين المسلمين جماعات يدعون أن للأولياء تصرفات في حياتهم وبعد مماتهم ويستغاث بهم في الشدائد والبليات وبهممهم تكشف المهمات، فيأتون قبورهم وينادونهم في قضاء الحاجات مستدلين أن ذلك منهم كرامات، وقالوا منهم أبدال ونقباء وأوتاد وأقطاب إلى أن قال: وجوزوا لهم الذبائح والنذور، وأثبتوا لهم فيها الأجور قال وهذا كلام فيه تفريط وإفراط بل فيه الهلاك الأبدي والعذاب السرمدي لما فيه من روائح الشرك المحقق ومصادمة الكتاب العزيز المصدق ومخالفة لعقائد الأئمة وما اجتمعت عليه الأمة.
وفي التنزيل (4/115 "وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا" انتهى.
وضابط هذا كما قال أهل العلم: أن كل أمر شرعه الله لعباده وأمرهم به ففعله لله عبادة فإذا صرف من تلك العبادة شيئاً لغير الله فهو شرك مصادم لما بعث الله به رسول من قوله عز وجل: "قُلِ اللهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَّهُ دِينِي"(6).
الثالث: توحيد الأسماء والصفات، وهو العلم واليقين بأسماء الله وصفاته حيث يجب تقديسه عز وجل عما لا يليق به لأنه متصف بكل كمال، منزه عن كل نقص، فكل ما جاء في وصفه تعالى لنفسه في القرآن الكريم نعتقده ونصدق به، وكذلك ما جاءت به الأخبار الصحيحة على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم موصوفاً بها بصفات نصدق بها ونرد المتشابه إلى المحكم، ونصفه بما وصف به نفسه عز وجل من غير تكييف أو تشبيه أو تمثيل أو تجسيم أو تعطيل أو تحريف وننزهه عن الشبه والمثل لقوله تعالى"لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ"(7) وقوله تعالى: "قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ- اللهُ الصَّمَدُ- لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ- وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ"( والله أعلم.
----------------
([1]) سورة فاطر آية 15.
([2]) سورة النمل آية 62.
([3]) سورة البقرة آية 165.
([4]) سورة الأنعام 162 ، 163.
([5]) سورة المائدة آية 72.
([6]) سورة الزمر آية 14.
([7]) سورة الشورى آية 11.
([8]) سورة الإخلاص.