(*)هذا الحق أحق الحقوق وأوجبها وأعظمها لأنه حق الله تعالى الخالق العظيم المالك المدبر لجميع الأمور، حق الملك الحق المبين الحي القيوم الذي قامت به السموات والأرض، خلق كل شيء فقدره تقديراً بحكمة بالغة، حق الله الذي أوجدك من العدم ولم تكن شيئاً مذكوراً. حق الله الذي رباك بالنعم وأنت في بطن أمك في ظلمات ثلاث لا يستطيع أحد من المخلوقين أن يوصل إليك غذاءك ومقومات نموك وحياتك، أدر لك الثديين وهداك النجدين وسخر لك الأبوين أمدك وأعدك... أمدك بالنعم والعقل والفهم وأعدك لقبول ذلك والانتفاع به "وَاللهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ"([1]) فلو حجب عنك فضله طرفة عين لهلكت ولو منعك رحمته لحظة لما عشت، فإذا كان هذا فضل الله عليك ورحمته بك فإن حقه عليك أعظم الحقوق لأنه حق إيجادك وإعدادك وإمدادك، إنه لا يريد منك رزقاً ولا إطعاماً "لاَ نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى"([2]) وإنما يريد منك شيئاً واحداً مصلحته عائدة إليك يريد منك أن تعبده وحده لا شريك له "وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ"([3])، ويريد منك أن تكون عبداً له بكل معاني العبودية، كما أنه هو ربك بكل معاني الربوبية عبداً متذللاً له خاضعاً له ممتثلاً لأمره مجتنباً لنهيه مصدقاً بخبره لأنك ترى نعمه عليك سابغة تترى، أفلا تستحي أن تبدل هذه النعم كفراً.
لو كان لأحد من الناس عليك فضل لاستحييت أن تبارزه بالمعصية وتجاهره بالمخالفة فكيف بربك الذي كل فضل عليك فهو من فضله وكل ما يندفع عنك من سوء فمن رحمته "وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ"([4]).
وإن هذا الحق الذي أوجبه الله لنفسه ليسير سهل على من يسر الله له. ذلك بأن الله لم يجعل فيه حرجاً ولا ضيقاً ولا مشقة. قال الله تعالى: "وَجَاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللهِ هُوَ مَوْلاَكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ"([5]).
إنه عقيدة مثلى وإيمان بالحق وعمل صالح مثمر، عقيدة قوامها المحبة والتعظيم وثمرتها الإخلاص والمثابرة، خمس صلوات في اليوم والليلة يكفر الله بهن الخطايا ويرفع بهن الدرجات ويصلح بهن القلوب والأحوال يأتي بهن العبد بحسب استطاعته "فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ"([6]).
قال النبي صلى الله عليه وسلم لعمران بن حصين وكان عمران مريضاً صل قائماً فإن لم تستطع فقاعداً فإن لم تستطع فعلى جنب([7]).
زكاة وهي جزء يسير من مالك تدفع في حاجة المسلمين، للفقراء والمساكين وابن السبيل والغارمين وغيرهم من أهل الزكاة([8]).
صيام شهر واحد في السنة " وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ"([9]) ومن لا يستطيع الصيام لعجز دائم يطعم مسكيناً كل يوم.
حج البيت الحرام مرة واحدة في العمر للمستطيع. هذه هي أصول حق الله وما عداها فإنما يجب لعارض كالجهاد في سبيل الله أو لأسباب توجبه كنصر المظلوم.
انظر يا أخي هذا الحق اليسير عملاً، الكثير أجراً إذا قمت فيه كنت سعيداً في الدنيا والآخرة ونجوت من النار ودخلت الجنة "فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ"([10]).
-------------------------------
(*) حقوق دعت إليها الفطرة وقررتها الشريعة للشيخ محمد الصالح العثيمين ص 5 – 9.
([1]) سورة النحل آية 78.
([2]) سورة طه آية 132.
([3]) سورة الذاريات آية 56 – 58.
([4]) سورة النحل آية 53.
([5]) سورة الحج آية 78.
([6]) سورة اتغابن آية 16.
([7]) رواه البخاري وغيره.
([8]) وهي تنفع الفقير ولا تضر الغني.
([9]) سورة البقرة آية 185.
([10]) سورة آل عمران آية 185.