قال رحمه الله تعالى: (باب ما تنطق به الألسنة وتعتقده الأفئدة من واجب أمور الديانات):
من ذلك الإيمان بالقلب والنطق باللسان بأن الله إله واحد لا إله غيره ولا شبيه له ولا نظير له ولا ولد له ولا والد له ولا صاحبة له ولا شريك له. ليس لأوليته ابتداء ولا لآخريته انقضاء لا يبلغ كنه صفته الواصفون ولا يحيط بأمره المتفكرون. يعتبر المفكرون بآياته ولا يتفكرون في ماهية ذاته "وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ"([1])... العالم الخبير المدبر القدير السميع البصير العلي الكبير، وأنه فوق عرشه المجيد بذاته([2]) وهو بكل مكان بعلمه خلق الإنسان ويعلم ما توسوس به نفسه وهو أقرب إليه من حبل الوريد "وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ"([3]) على العرش استوى وعلى الملك احتوى وله الأسماء الحسنى والصفات العلى لم يزل بجميع صفاته وأسمائه، تعالى أن تكون صفاته مخلوقة وأسماؤه محدثة، كلم موسى بكلامه الذي هو صفة ذاته لا خلق من خلقه وتجلى للجبل فصار دكاً من جلاله، وأن القرآن كلام الله ليس بمخلوق فيبيد ولا صفة لمخلوق فينفد، والإيمان بالقدر خيره وشره... حلوه ومره..
وكل ذلك قد قدره الله ربنا ومقادير الأمور بيده ومصدرها عن قضائه، علم كل شيء قبل كونه فجرى على قدره لا يكون من عباده قول ولا عمل إلا وقد قضاه وسبق علمه به - "أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ"([4]) يضل من يشاء فيخذله بعدله، ويهدي من يشاء فيوفقه بفضله، فكل ميسر بتيسيره إلى ما سبق من علمه، وقدره من شقي أو سعيد، تعالى أن يكون في ملكه ما لا يريد أو يكون لأحد، عنه غناً، خالقاً لكل شيء ألا هو رب العباد ورب أعمالهم والمقدر لحركاتهم وآجالهم الباعث الرسل إليهم لإقامة الحجة عليهم، ثم ختم الرسالة والنذارة والنبوة بمحمد نبيه صلى الله عليه وسلم فجعله آخر المرسلين بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، وأنزل عليه كتابه الحكيم بدينه القويم وهدى به الصراط المستقيم، وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من يموت كما بدأهم يعودون، وأن الله سبحانه ضاعف لعباده المؤمنين الحسنات وصفح لهم بالتوبة عن كبائر السيئات وغفر لهم الصغائر باجتناب الكبائر وجعل من لم يتب من الكبائر صائراً إلى مشيئته "إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَّشَاءُ"([5]).
ومن عاقبه الله بناره أخرجه منها بإيمانه فأدخله به جنته "فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ"([6]) ويخرج منها بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم من شفع له من أهل الكبائر من أمته.. وأن الله سبحانه قد خلق الجنة فأعدها دار خلود لأوليائه وأكرمهم فيها بالنظر إلى وجهه الكريم وهي التي أهبط منها آدم نبيه وخليفته إلى أرضه بما سبق في سابق علمه، وخلق النار فأعدها دار خلود لمن كفر به وألحد في آياته وكتبه ورسله وجعلهم محجوبين عن رؤيته.
وأن الله تبارك وتعالى يجيء يوم القيامة والملك صفاً صفاً لعرض الأمم وحسابهم.
وتوضع الموازين لوزن أعمال العباد "فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ"([7]) ويؤتون صحائفهم بأعمالهم "فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا"([8]) "وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ * فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا * وَيَصْلَى سَعِيرًا"([9]) وأن الصراط حق يجوزه العباد بقدر أعمالهم فناجون متفاوتون في سرعة النجاة عليه([10]) من نار جهنم وقوم أوبقتهم فيها أعمالهم. والإيمان([11]) بحوض رسول الله صلى الله عليه وسلم ترده أمته لا يظمأ من شرب منه ويذاد عنه من بدل وغير. وأن الإيمان قول باللسان وإخلاص بالقلب وعمل بالجوارح يزيد بزيادة الأعمال وينقص بنقصها فيكون بها النقص وبها الزيادة ولا يكمل قول الإيمان إلا بعمل، ولا قول ولا عمل إلا بنية، ولا قول وعمل ونية إلا بموافقة السنة. وأنه لا يكفر أحد بذنب من أهل القبلة
([12]) وأن الشهداء أحياء عند ربهم يرزقون وأرواح أهل السعادة باقية ناعمة إلى يوم يبعثون، وأرواح أهل الشقاوة، معذبة إلى يوم الدين، وأن المؤمنين يفتنون في قبورهم ويسألون و "يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآَخِرَةِ"([13]) وأن على العباد حفظة يكتبون أعمالهم ولا يسقط شيء من ذلك من علم ربهم، وأن ملك الموت يقبض الأرواح بإذن ربه، وأن خير القرون الذين رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وآمنوا به ثم الذين يلونهم.
وأفضل الصحابة الخلفاء الراشدون المهديون أبو بكر ثم عمر ثم عثمان. ثم علي رضي الله عنهم أجمعين.
وأن لا يذكر أحد من صحابة الرسول إلا بأحسن ذكر والإمساك عما شجر([14]) بينهم وأنهم أحق الناس أن يلتمس لهم المخارج ويظن بهم أحسن المذاهب، والطاعة لأئمة المسلمين من ولاة أمورهم وعلمائهم واتباع السلف الصالح واقتفاء آثارهم والاستغفار لهم وترك المراء والجدال في الدين وترك كل ما أحدثه المحدثون، وصلى الله على سيدنا محمد نبيه وعلى آله وأزواجه وذريته وسلم تسليماً كثيراً، انتهى.
--------------------------------------------------------------------------------
([1]) سورة البقرة آية 255.
([2]) ذكر الحافظ الذهبي جماعة من السلف أطلقوا هذه العبارة انظر كتاب العلو صفحة 171 ط2 السلفية.
([3]) سورة الأنعام آية 59.
([4]) سورة الملك آية 14.
([5]) سورة النساء آية 14 و 116.
([6]) سورة الزلزلة آية 7.
([7]) سورة المؤمنون آية 102
([8]) سورة الانشقاق آية 7 – 8.
([9]) سورة الانشقاق آية 10 – 12.
([10]) الضمير يعود إلى الصراط أي أن المؤمنين ينجون عليه من نار جهنم.
([11]) الواو للعطف فالجملة معطوفة على قوله بأن الله إله واحد.
([12]) ما لم يستحله يشير إلى الرد على الخوارج الذي يكفرون المسلم بفعل المعصية انظر شرح الطحاوية بتحقيق أحمد شاكر ص 261.
([13]) سورة إبراهيم آية 27.