قال الله تعالى: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُوا للهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ" [البقرة: 20 – 22].
يخاطب الله تعالى الناس عموماً مسلمهم وكافرهم وعربهم وعجمهم وذكرهم وأنثاهم آمراً لهم بما خلقهم لأجله وهو عبادته الجامعة لامتثال أمره واجتناب نهيه وتصديق خبره كما قال تعالى: "وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ"([1]). وأوجب عليهم الاستمرار على عبادته حتى الموت فقال: "وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ"
([2]).
ثم استدل على وجوب عبادته وحده بأنه ربكم الذي أوجدكم من عدم ورباكم بأصناف النعم وخلق الذين من قبلكم وأنعم عليكم بأنعمه الظاهرة والباطنة فجعل لكم الأرض فراشاً تستقرون عليها وتنتفعون بالأبنية والزراعة والحراثة والتجارة والمشي في سبلها ابتغاء رزقه، وجعل السماء بناء لمسكنكم وأودع فيها من المنافع ما هو من ضروراتكم وحاجاتكم كالشمس والقمر والنجوم. "وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً" والسماء هو كل ما علا فوقك هو سماء ولهذا قال المفسرون: المراد بالسماء هنا السحاب فأنزل منه تعالى ماء "فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ" كالحبوب والثمار والفواكه والزروع وغيرها "رِزْقًا لَّكُمْ " به ترتزقون وتعيشون وتفكهون فكما أنه لا خالق ولا رازق إلا الله فلا معبود بحق إلا هو ولا متصرف في الكون سواه "فَلاَ تَجْعَلُوا للهِ أَنْدَادًا" أمثالاً ونظراء من المخلوقين فتعبدونهم كما تعبدون الله وتحبونهم كما تحبونه وهم مثلكم مخلوقون مرزقون مدبرون لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض ولا ينفعون ولا يضرون "وَأَنْتُمْ تَعْلَمُون " أن الله ليس له شريك ولا نظير لا في الخلق ولا في الرزق ولا في التدبير فكيف تعبدون معه آلهة أخرى مع علمكم بذلك. وقوله تعالى: "لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ" المعنى أنكم إذا عبدتم الله صرتم من المتقين واتقيتم بذلك سخط الله وعذابه لأنكم أتيتم بالسبب الدافع لذلك.
قال ابن كثير رحمه الله تعالى: الخالق لهذه الأشياء هو المستحق للعبادة.
ما يستفاد من هذه الآيات:
1- الأمر بعبادة الله وحده والنهي عن عبادة ما سواه.
2- بيان الدليل الباهر على وجوب عبادة الله وحده وبطلان عبادة ما سواه وهو ذكر توحيد الربوبية المتضمن انفراد الله بالخلق والرزق والتدبير.
3-أن من عبد الله وحده مخلصاً له الدين فهو من المتقين وحصلت له النجاة من عذاب الله وسخطه.
4- أن جميع الناس مخلوقون لعبادة الله تعالى وتوحيده وإقامة دينه وعنه يقع السؤال وعليه يقع الجزاء وبذلك أرسلت الرسل وأنزلت الكتب.
5-وجوب شكر نعم الله بالاعتراف بها باطناً والثناء على الله بها والاستعانة بها على طاعته وابتغاء مرضاته.
6- أن الله تعالى أغنى الإنسان عن كل مخلوق بالأخذ بأسباب الرزق من صناعة وزراعة وتجارة وغير ذلك فمن أحوج نفسه إلى بشر مثله فقد أخذ بطرف من جعل لله نداً.
فلا تعبد أحداً في الدنيا من الخلق بسبب الدنيا فإن الله عز وجل قد أتاح لك ما لابد لك منه من غير منة فيه لأحد عليك.
7- انفراد الله بالربوبية والإلهية والملك وجميع صفات الكمال.
-----------------------
([1]) سورة الذاريات آية 56.
([2]) سورة الحجر آية 99.