قال الله تعالى: "هُوَ اللهُ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ * هُوَ اللهُ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلاَمُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ * هُوَ اللهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ" سورة الحشر آية 22 – 24.
هذه الآيات الكريمة قد اشتملت على كثير من أسماء الله الحسنى التي عليها مدار التوحيد والاعتقاد، فأخبر أنه المألوه الذي لا يستحق العبادة سواه؛ وذلك لكماله العظيم وإحسانه الشامل وتدبيره العام وحكمه الشاملة. فهو الإله الحق وما سواه فعبوديته باطلة لأنه خال من الكمال ومن الأفعال التي فيها النفع والضر، ووصف نفسه بالعلم المحيط بما حضر وغاب وما مضى وما يُسْتقبل وما هو حاضر وما في العالم العلوي وما في العالم السفلي وما ظهر وما بطن، فلا تخفى عليه خافية في مكان من الأمكنة ولا زمان من الأزمنة، ومن كمال علمه وقدرته أنه يعلم ما تنقص الأرض من الأموات وما تفرق من أجزائهم وما استحال من حال إلى حال، أحاط علماً بذلك على وجه التفصيل فلا يعجزه إعادتهم للبعث والجزاء، ووصف نفسه بأنه (الرحمن الرحيم) الذي وسعت رحمته الخليقة بأسرها وملأت الوجود كله، ووصف نفسه بأنه (الملك) وهو الذي له الملك التام المطلق، له صفات الملك التي هي نعوت العظمة والكبرياء والعز والسلطان. وله التصرف المطلق في جميع الممالك الذي لا ينازعه فيه منازع، والموجودات كلها عبيده وملكه ليس لهم من الأمر شيء.
وأخبر أنه (القدوس السلام) أي المقدس المعظم السالم من جميع العيوب والنقائص المنافية لكماله (المؤمن) المصدق لرسله وأنبيائه بما جاءوا به من الآيات البينات والبراهين القاطعات والحجج الواضحات. الذي له العلم كله ويعلم من أوصافه المقدسة ونعوته العظيمة ما لا يعلمه بشر ولا ملك ويحب نفسه وما هو عليه من الجلال والجمال (العزيز) الذي له العزة كلها، عزة القوة والقدرة، فهو القوي المتين، وعزة القهر والغلبة لكل مخلوق، فكلهم نواصيهم بيده وليس لهم من الأمر شيء، وعزة الامتناع الذي تمنع بعزته عن كل مخلوق فلا يعارض ولا يمانع، وليس له نديد ولا ضديد (الجبار) الذي قهر جميع المخلوقات ودانت له الموجودات واعتلا على الكائنات وجبر بلطفه وإحسانه القلوب المنكسرات (المتكبر) عن النقائص والعيوب، وعن مشابهة أحد من خلقه ومماثلتهم لعظمته وكبريائه (سبحان الله عما يشركون) وهذا تنزيه عام عن كل ما وصفه به من أشرك به ولم يقدره حق قدره (هو الله الخالق) لجميع المخلوقات (البارئ) بحكمته ولطفه لجميع البريات (المصور) بحسن خلقه لجميع الموجودات، أعطى كل شيء خلقه ثم هدى كل مخلوق وكل عضو لما خلق له وهيئ له.
فالله تعالى قد تفرد بهذه الأوصاف المتعلقة بخلقه لم يشاركه في ذلك مشارك، وهذا من براهين توحيده، وأن من تفرد بالخلق والبرء والتصوير فهو المستحق للعبودية ونهاية الحب وغاية الخضوع (له الأسماء الحسنى) وقد ورد في الحديث الصحيح «أن لله تسعة وتسعين اسماً؛ مائة إلا واحداً، من أحصاها دخل الجنة» - يعني أحصى ألفاظها وحفظها وعقلها وتعبد لله بها - فهو تعالى الذي له كل اسم حسن؛ وكل صفة جلال وكمال، فيستحق من عباده كل إجلال وتعظيم وحب وخضوع "يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ" يعني من المكلفين والحيوانات والأشجار والجمادات "وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا" سورة الإسراء آية 44.
وهو العزيز الحكيم. في خلقه وشرعه([1]).
ما يستفاد من هذه الآيات الكريمات:
1-انفراد الله بالألوهية واستحقاقه للعبادة دون سواه.
2-علم الله بما غاب وحضر.
3-وصف الله بالرحمة العامة الشاملة لجميع المخلوقات في الدنيا والآخرة والرحمة الخاصة بالمؤمنين " وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا". سورة الأحزاب آية 43
4-انفراد الله بملك السموات والأرض والدنيا والآخرة.
5-تنزيه الله عن كل ما لا يليق به من العيوب والنقائص وسلامته منها.
6-تصديق الله لأنبيائه ورسله وأنه قد أمن عباده من ظلمه والمؤمنين من عذابه.
7-أن الله تعالى مطلع على خلقه رقيب على أعمالهم وشهيد عليها.
8-عزة الله وقوته وقدرته وغلبته لكل شيء.
9-وصف الله بالكبرياء والعظمة التي لا تنبغي إلا له.
10-تنزيه الله عن كل ما يصفه به المشركون من الشرك والنقائص.
11-انفراد الله بالخلق والإيجاد وتصوير المخلوقات على ما أراد.
12-انفراد الله بالأسماء الحسنى والصفات العلى.
13-تسبيح جميع المخلوقات لله في السموات والأرض.
14- حكمة الله البالغة في خلقه ورزقه وتدبيره وتقديره وتكوينه وهدايته وإضلاله.
15-فضل هذه الآيات الكريمات حيث اشتملت على وصف الله بصفات العظمة والجلال والجمال وتنزيهه عن كل نقص وعيب سبحانه وتعالى.